اعجاز القرآن
المقدمة:
يُعدُّ إعجاز القرآن الكريم من أبرز وجوه عظمته، ومن أهم الأدلة على مصدره الإلهي، وقد تحدّى القرآنُ العربَ في أوج فصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بمثله، فعجزوا رغم التحدي المتكرر في عدة مواضع. وقد تناول العلماء هذا الإعجاز من جهات متعددة، منها البلاغة، والتشريع، والعلم، والتربية، وغيرها، مما يدل على أن هذا الكتاب ليس من صنع بشر.
تعريف الإعجاز
الإعجاز لغةً: مصدر «أعجز»، أي أظهر العجز، يقال: أعجزه الشيء أي قهره فلم يستطع مجاراته.
الإعجاز اصطلاحًا: هو عجز البشر عن الإتيان بمثل القرآن الكريم في بيانه، أو تشريعه، أو علمه، أو أخباره، مع توفر القدرة والدافع على التحدي والمعارضة.
أنواع الإعجاز في القرآن الكريم:
1. الإعجاز البلاغي
وهو الوجه الأوضح للإعجاز، فقد جاء القرآن الكريم بأسلوب غير مسبوق في لغته وتراكيبه وألفاظه، حتى اعترف أعداء الإسلام بعلوّ بيانه. وقد أبهرت آياته العرب الذين كانوا أهل الفصاحة، ولم يستطيعوا معارضته رغم التحدي. مثال ذلك قوله تعالى:
> "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا" [الإسراء: 88].
2. الإعجاز التشريعي
جاء القرآن الكريم بتشريعات متوازنة تنظم حياة الإنسان من جميع الجوانب: الفردية، والاجتماعية، والروحية، والسياسية، في توازن فريد بين الحقوق والواجبات، وبين الثواب والعقاب، وبدون تعارض بين العقل والنقل. وقد أسّس القرآن لمدنية متقدمة في مجال العدالة، وحفظ الحقوق، وحماية الإنسان.
3. الإعجاز العلمي
تضمن القرآن إشارات إلى حقائق علمية لم تكن معلومة للبشر زمن نزوله، مثل أطوار الجنين، واتساع الكون، ومواقع النجوم، والرياح، والبحار، وغيرها، مما اكتشفه العلم الحديث لاحقًا، ومنها قوله تعالى:
> "وأنزلنا من السماء ماءً بقدر فأسكنّاه في الأرض..." [المؤمنون: 18]، وقوله: "والسماء بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسعون" [الذاريات: 47].
4. الإعجاز الغيبي
أخبر القرآن عن أمور مستقبلية تحققت كما أخبر، منها:
انتصار الروم بعد هزيمتهم:
> "غُلِبَتِ الرُّوم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين..." [الروم: 2–4].
حفظ القرآن من التحريف:
> "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9].
5. الإعجاز النفسي والتربوي
للقرآن أثر بالغ في النفوس، إذ يهز القلوب، ويهذب الأخلاق، ويغيّر سلوك الإنسان نحو الخير، وهو ما شهد به من قرأه وتأمله، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم.
مواقف العلماء من الإعجاز
البلاغيون مثل: الجاحظ، والزمخشري، رأوا أن الإعجاز يكمن في بلاغته الخارقة.
الأصوليون والفلاسفة مثل: الطوسي، والرازي، ذهبوا إلى أن الإعجاز يشمل التشريع والعقل والمنطق.
العلماء المعاصرون وسّعوا دائرة الإعجاز لتشمل الإعجاز العلمي والاجتماعي والنفسي، مع التأكيد على خطورة التسرع في مطابقة الآيات بالاكتشافات غير المستقرة.
التحدي القرآني
تحدى الله سبحانه البشر أن يأتوا بمثل هذا الكتاب، فقال:
> "فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" [الطور: 34]، ثم تحدّاهم بعشر سور، ثم بسورة واحدة، فقال: "أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" [يونس: 38].
وقد عجز العرب عن ذلك رغم تمكنهم من اللغة، فكان هذا العجز دليلاً على الإعجاز.
خاتمة:
يبقى إعجاز القرآن الكريم دليلًا حيًا على صدقه، ومصدره الرباني، وهو لا ينفد مع مرور الزمن، بل تتجدد وجوه إعجازه مع تطور العلم وتوسع الفكر البشري. وبهذا يكون القرآن حجة دائمة على الناس جميعًا، وهو دعوة مفتوحة للتفكر والتدبر.
مصادر ومراجع المستند عليها المقال:
1. الزركشي، البرهان في علوم القرآن.
2. السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
3. الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن.
4. الرازي، مفاتيح الغيب.
5. وهبة الزحيلي، التفسير المنير.
6. عبد المجيد الزنداني، الإعجاز العلمي في القرآن.