الثرموديناميك

من ويكي الجامعة, مركز التعليم الحر

لمحة عن الترموديناميك

سأحاول في هذه اللمحة، أن أشرح الأفكار والقوانين التي بني عليها هذا الفرع الهام جداً، والمثير، من الفيزياء، ولكن دون الخوض فيها بشكل اختصاصي، وذلك حتى يتمكن أعضاء الصفحة البعيدون عن الفيزياء من فهم جوهر هذه الأفكار. لكن للأسف، فالتبسيط المفرط له ثمنه. إذ ومن أجل إيصال الأفكار بأبسط شكل ممكن، فلا بد من التغاضي عن الترتيب التاريخي للاكتشافات في هذا المضمار،علماً أن دراسة تاريخ أي نظرية علمية، تعد قصة ممتعة بحد ذاتها.كما أن غياب اللغة الرياضية في الطرح، لابد وأن يفقده شيئاً من دقته. لذلك، ولكل المطلعين على الترموديناميك بشكل اختصاصي، فأنا أعتذر سلفاً عن هذا الإفراط في التبسيط الذي لابد منه.

بعض المفاهيم:

كلنا نسمع بمفاهيم كالقوة والطاقة والعمل وكمية الحرارة ودرجة الحرارة. ولكن قليلون منا تستوقفهم هذه المفاهيم ليفكروا فيما تعنيه حقاً. فماذا نقصد بالقوة؟ وما الفرق بينها وبين الطاقة؟ وما الفرق بينهما وبين العمل؟ وما هي طبيعة الحرارة؟ وما الذي يعنيه قولنا بأن درجة الحرارة 20 مئوية مثلاً؟

القوة:

سنبدأ بأكثر المفاهيم السابقة أساسية، ألا وهو القوة. نقول عن جسيم مادي أنه غير خاضع لقوى خارجية، إذا ما كان ساكناً أو متحركاً على خط مستقيم بسرعة ثابتة. وفيما عدا ذلك، فإننا نقول أن الجسيم يخضع لتأثير محصلة قوى خارجية. وإذا كانت لدينا جملة مادية مكونة من عدة جسيمات، فإن محصلة القوى المؤثرة على الجملة تساوي مجموع القوى المؤثرة على جسيماتها. طبعاً التعريف السابق للقوة يستند على قوانين نيوتن، ولكنه غير كاف وغير دقيق تماماً بالشكل الذي صغته في الأعلى. إلا أنه كاف لأهدافنا، وليس فيه أخطاء علمية، والتعريف الدقيق للقوة يتطلب الخوض في قوانين نيوتن، التي تحتاج إلى نقاش طويل جداً خاص بها لذلك لن نذكره هنا.

الطاقة والعمل:

والآن، فإن ما يهمنا حقاً في الترموديناميك هي الطاقة وليست القوة. فما هي الطاقة؟

لقد تحدثنا عن القوة، ولكننا لم نتحدث عن كيف تتولد هذه القوة. إذا كانت لدينا جملة مادية، فإننا ندعو قدرة هذه الجملة على توليد قوى بالطاقة التي تملكها هذه الجملة. وعندما تولد الجملة قوة في جملة أخرى، فإننا نقول أن الجملة الأولى قد بددت طاقة عن طريق توليدها لهذه القوة. ونقول تجاوزاً أحياناً أن القوة بددت طاقة. ونقول أن تبديد الطاقة يزداد بزيادة شدة القوة المطبقة من جهة، وبزيادة المسافة التي انتقلتها الجملة المتأثرة بالقوة، وفق اتجاه القوة، من جهة أخرى. ندعو الطاقة المبددة بالعمل الذي بذلته الجملة التي ولدت القوة، أو العمل الذي تلقته الجملة المتأثرة بالقوة. ومما سبق نستطيع تعريف العمل بأنه حاصل ضرب القوة بالانتقال (الذي هو المسافة المقطوعة) وفق اتجاه القوة. علينا أن نتذكر دائماً أن العمل هو طاقة مبددة بالتعريف، ومعنى ذلك أن العمل طاقة. قد يبدو التركيز على هذه النقطة سخيفاً لوضوحها، ولكنه ضروري، والسبب سيظهر فيما بعد.

من الميكانيك إلى الترموديناميك:

إن كل ما ذكرته في الأعلى هو في الفرع من الفيزياء الذي يدعى بالميكانيك. وفي الميكانيك لايوجد مكان لمفاهيم مثل الحرارة. والفرع من الفيزياء الذي يهتم بدراسة الحرارة بشكل رئيسي هو الترموديناميك ومن هنا جاء اسمه. لقد كان يظن في بدايات دراسة الحرارة، أن الحرارة هي سائل عديم الوزن يمكن أن تتبادله الجمل المادية فيما بينها. طبعاً بعد ظهور الترموديناميك الإحصائي (المعروف أكثر باسم الفيزياء الإحصائية)، بتنا نعرف بأن الكلام السابق غير صحيح، وأن الحرارة المخزونة في جملة ما،ما هي إلا الطاقة الحركية لجسيمات الجملة مقاسة بالنسبة إلى مركز عطالة هذه الجملة. ولكنني سوف أشرح الترموديناميك الكلاسيكي في البداية، ثم بعد ذلك أتحدث قليلاً عن الفيزياء الإحصائية (الأعمق بكثير من الترموديناميك الكلاسيكي)،والتي تمثل الترموديناميك الحديث، إن صح التعبير. لذلك يمكننا اعتماد التعريف القديم للحرارة مبدئياً.

إن المسلمة الرئيسية التي ينطلق منها الترموديناميك، هي أن الحرارة هي أحد أشكال الطاقة. وفي الواقع لهذه المسلمة ما يبررهاتجريبياً. تأملوا معي في هذه الأسطوانة التي تحوي سائلاً ما كالماء، والمغطاة بمكبس قابل للانزلاق دون احتكاك.

لو قمنا بتسخين الماء، فهو سيتمدد دافعاً المكبس أمامه. لاحظوا أن المكبس إذاً خضع لقوة من قبل الماء وسينتقل من موضعه، وبالتالي تلقى عملاً من الماء. وما كان هذا ليحصل لولا تسخيننا للماء. نستطيع تفسير ما سبق لو قبلنا أن جزءاً من الحرارة التي اكتسبها الماء تحولت إلى عمل بذله على المكبس. ولكن كيف يمكن للحرارة أن تتحول إلى عمل، ما لم يكن كلاهما من نفس الطبيعة؟ وبما أن العمل طاقة، لذلك فلا بد من أن تكون الحرارة أحد أشكال الطاقة أيضاً.

إذاً، بوضع هذه المسلمة في أذهاننا، يمكننا المتابعة من أجل استكمال بنيان الترموديناميك.

وحتى نستطيع الانتقال إلى المفهوم التالي من مفاهيم الترموديناميك، علينا التحدث عن مفهوم التفاعل المتبادل بين الجمل المادية.

نقول عن جملتين ماديتين أنهما تتفإعلان، إذا كانتا تتبادلان الطاقة فيما بينهما.

وحتى نستطيع الانتقال إلى المفهوم التالي من مفاهيم الترموديناميك، علينا التحدث عن مفهوم التفاعل المتبادل بين الجمل المادية.

التوازن الحراري:

إذا كانت لدينا جملتان ماديتان متفاعلتين مع بعضهما، عندها نقول عن الجملتين أنهما في حالة توازن حراري فيما بينهما، إذا كان لايحصل أي تدفق للطاقة الحرارية من أحدهما إلى الآخر.

معنى ذلك أن الجملتين المتوازنتان حرارياً فيما بينهما، قد تتبادلان الطاقة، ولكن حصراً بأشكال أخرى غير الحرارة، أو قد تكونان توقفتا عن التفاعل تماماً بحيث أنهما لم تعودا تتبادلان أي شكل من أشكال الطاقة.

والآن، وبعد أن صغنا هذا التعريف الهام، أصبح بإمكاننا بناء قوانين الترموديناميك.

القانون صفر في الترموديناميك:

ينص القانون صفر، على أن الجملتين المتوازنتان حرارياً مع جملة ثالثة، تكونان متوازنتين حرارياً فيما بينهما.

على سبيل المثال، لو كانت لدينا ثلاث جمل هي: كرة من الرصاص، وكرة من الألومنيوم، وكرة من الحديد، وكانت كرة الرصاص متوازنة حرارياً مع كرة الحديد، وكانت أيضاً كرة الألومنيوم متوازنة حرارياً مع كرة الحديد، عندها ووفق القانون صفر، فلا بد من أن تكون كرتا الرصاص والألومنيوم متوازنتين حرارياً فيما بينهما.

إن القانون صفر فائق الأهمية، لأنه يسمح بتعريف مفهوم درجة الحرارة، وذلك كما يلي:

إذا كانت لدينا مجموعة من الجمل المتوازنة حرارياً فيما بينها، عندها نقول بأن لجميع هذه الجمل نفس درجة الحرارة.

إذاً، فدرجة الحرارة، هي مقدار يميز مجموعة من الجمل المتوازنة حرارياً فيما بينها.

إضافة لما سبق، فالقانون صفر هام جداً، لأنه يسمح لنا بإعطاء نفس القيمة لدرجة الحرارة من أجل مجموعة جمل مادية في حالة توازن حراري فيما بينها، وذلك مهما كانت طبيعة هذه الجمل، وهذا يمكننا من صناعة ميزان حرارة غازي مثلاً، واستخدامه لقياس درجة حرارة جمل أخرى مهما كانت طبيعتها.

القانون الأول في الترموديناميك:

ينص القانون الأول في الترموديناميك، على أن طاقة جملة ما، لا يمكن تغييرها إلا بسحب أو إضافة العمل أو الحرارة من أو إلى الجملة.

بمعنى آخر إنه مبدأ مصونية (انحفاظ) الطاقة. لقد صيغ هذا القانون نتيجة للمشاهدات التجريبية المتعددة، وسأعطي بعض الأمثلة.

تأملوا الصورة التالية جيداً:

في الشكل الذي على اليمين لو رفعنا شاقولياً هذا الثقل إلى أعلى العامود، لبذلنا عملاً مقداره (بضرب القوة بالانتقال) 200 جول. ماذا لو فكرنا بجلب مستو مائل كما في الشكل الذي على اليسار، ودفعنا الجسم عليه دون احتكاك، حتى أوصلناه إلى أعلى العامود، فهل نكون بذلنا نفس القوة؟ بالطبع لا، إذ وفق قوانين الميكانيك، فالمستوي المائل في الشكل السابق، والذي يصنع زاوية 30 درجة مع الأفق، سيخفف عني القوة وسأدفع فقط بنصف القوة أي سأبذل 50 نيوتن من القوة. ولكن ماذا عن العمل؟ في الواقع صحيح أن القوة قد قلت، إلا أن المسافة قد ازدادت وأصبحت 4 أمتار، لذلك بضرب القوة بالمسافة سأحصل على نتيجة مفادها أن العمل يبقى نفسه أي 200 جول، وأن كل ما فعلته هو أنني قايضت القوة بالمسافة. أما مقدار الطاقة اللازم لرفع الثقل، فقد بقي نفسه.

مثال آخر. تأملوا الصورة التالية:

سأفترض أنه في الشكلين البكرات والحبال مهملة الكتلة. في الشكل الذي على اليمين، علي تطبيق قوة تساوي الوزن حتى أتمكن من رفعه، ولكن سيرتفع الجسم للأعلى لمسافة تساوي نفس المسافة التي سحبتها من الحبل.

بينما في الشكل الذي على اليسار البكرة العلوية ثابتة، والسفلية متحركة، وحتى أتمكن من جعلها متحركة علي لف الحبل حولها أكثر من مرة. والآن، فالوزن قد توزع على الحبلين السفليين ولن يصلني منه سوى نصفه عندما أقوم بالشد، أما النصف الآخر فستحمله البكرة الثابتة، كما في الشكل. ولكن بالمقابل أصبح الثقل سيرتفع مقداراً يساوي نصف المسافة التي سحبتها من الحبل بسبب التفاف الحبل على البكرة السفلية بالطريقة التي ذكرناها كي تتمكن من الدوران. وبالتالي فالعمل الذي سأبذله لرفع الثقل هو نفسه سواء استعملت بكرة واحدة أم بكرتين. وكل ما فعلته، هو أنني مجدداً قايضت القوة بالمسافة.

هذا الكلام ينطبق على جميع أنواع الآلات البسيطة كالمسننات و …الخ.

وكان جول قد بين تجريبياً أن تبادلات الحرارة تخضع أيضاً لقانون انحفاظ الطاقة، مؤكداً مجدداً على المسلمة الرئيسية للترموديناميك، ألا وهي أن الحرارة ماهي إلا شكل من أشكال الطاقة.

وفي الواقع فجميعنا يستعمل هذا القانون بشكل بديهي في حياتنا اليومية. فنحن عندما نصعد تلة ما، نقوم بالدوران حولها، مطيلين المسافة التي سنقطعها، ولكننا نكون قد خففنا من القوة التي سنبذلها أثناء الصعود، كما يبين ذلك الشكل التالي:

والقانون الأول في الترموديناميك، يمنع الآلات دائمة الحركة من النوع الأول، وهي الآلات التي تستمر في العمل وإنتاج الطاقة، دون أن تكون قد أخذت هذه الطاقة من مصادر خارجية. بمعنى آخر، فهذه الآلة تخلق الطاقة، وهذا يخالف القانون الأول في الترموديناميك، ولهذا فهي مستحيلة الوجود، وفق قوانين الفيزياء التي نعرفها.

القانون الثاني في الترموديناميك:

يا ترى، هل يكفي القانونان صفر والأول، لتوصيف جميع مشاهداتنا عن الطبيعة؟ لنتأمل المثال التالي:

إذا ما جربت أن تحمل قطعة من الجليد في كفك، فستلاحظ أنها ستذوب، والسبب هو انتقال الحرارة من يدك إليها، ولهذا ستشعر بالبرد. حسناً، هل يمكن أن تحمل في إحدى المرات قطعة جليد كي تتدفأ بها؟ الجواب سيكون بالنفي طبعاً، لأن الحرارة لن تنتقل تلقائياً من جسم بارد كالجليد، إلى جسم ساخن هو كفك. ولكن لماذا؟ وهل انتقال الحرارة تلقائياً من جسم بارد إلى ساخن يخالف القانون الأول في الترموديناميك؟ في الواقع، لا، هكذا انتقال للطاقة مسموح تماماً من وجهة نظر القانون الأول في الترموديناميك، شريطة أن تكون كمية الحرارة (في مثالنا تبادل الطاقة حراري بحت) المعطاة من الجليد، مساوية لكمية الحرارة التي يمتصها كفك، وذلك بفرض أن الجملة المكونة من كفك وقطعة الجليد معزولة عن الوسط الخارجي. إذاً، لماذا لا نشهد في الطبيعة، عمليات من هذا النوع؟

لماذا لو تركت من يدي لوح زجاج، فسيقع على الأرض ويتحطم، بينما لو قمت بجمع حطامه ورميته على الأرض لن يكوّن الحطام لوح زجاج؟ علماً أن هذا الأمر غير محظور وفق قوانين الميكانيك والقانون الأول من الترموديناميك؟

ولماذا لو كان لدي وعاء يحوي غازاً ما في أحد نصفيه، والنصف الآخر خلاء، حيث أنني أفصل الجزأين بحاجز. وعند رفع الحاجز ينتشر الغاز في كامل الصندوق كما يبين الشكل التالي.

فقبل رفع الحاجز بين نصفي الصندوق كان لدينا:

وبعد رفع الحاجز، سينتشر الغاز:

ولكن لماذا لا نلاحظ العملية المعاكسة؟ أي لماذا لا نلاحظ أن غازاً كان منتشراً في كامل الصندوق، يقوم بتجميع ذاته تلقائياً في أحد النصفين؟

من الأمثلة السابقة، نلاحظ أن العمليات في الطبيعة، تفضل اتجاهاً معيناً كي تحدث فيه على الاتجاه المعاكس.

للتعبير عن هذه الخاصية قام كلاوزيوس بابتكار مفهوم الإنتروبي. وقال كلاوزيوس أننا سنبحث عن مقدار يميز الجمل المادية، ندعوه الإنتروبي، ويحقق الشروط التالية:

1″ الإنتروبي متحول حالة، ومعنى ذلك أنه في كل حالة للجملة، تأخذ الإنتروبي قيمة محددة تماماً، بغض النظر عن كيفية وصول الجملة لهذه الحالة.

2″ الإنتروبي مقدار امتدادي، بمعنى أنه لو كانت الجملة مكونة من جزأين، لكانت إنتروبي الجملة تساوي مجموع إنتروبي الجزأين.

3″ أي عملية في الطبيعة، لا يمكن أن تحصل إلا إذا رافقها زيادة في الإنتروبي، أو عدم تغير لها (للإنتروبي) على الأقل.

وقد بحث كلاوزيوس عن الإنتروبي، معتمداً على أعمال كارنو، وتمكن من إيجاد العلاقة الرياضية التي تعطيها.

وبذلك أصبح القانون الثاني في الترموديناميك، يصاغ وفق كلاوزيوس بالشكل التالي:

جميع العمليات في الطبيعة، إما أن تكون مصحوبة بزيادة أو بعدم تغير في الإنتروبي.

معنى ذلك أنه لو تركنا جملتين ماديتين تتفإعلان، فيمكن أن تنخفض إنتروبي أجزاء منهما، ولكن على حساب زيادتها في أجزاء أخرى، بحيث يكون مجموع إنتروبي الجملتين بعد التفاعل، أكبر أو يساوي مجموع الإنتروبي لهما قبل التفاعل.

لننظر إلى المثال الذي كنت تحمل فيه قطعة جليد. إذا انتقلت الحرارة من كفك الساخن إلى الجليد البارد، عندها ستصبح الإنتروبي الكلية لجملة كف-جليد أكبر مما كانت عليه لو لم يحصل هكذا انتقال، وبالتالي هذه العملية تحصل تلقائياً. بينما لو انتقلت الحرارة من قطعة الجليد الباردة إلى كفك الساخن، فستصبح إنتروبي الجملة كف-جليد بعد انتقال الحرارة، أصغر مما كانت عليه قبل الانتقال. أي هذه العملية ستكون مصحوبة بنقص في الإنتروبي، وهذا يحظره القانون الثاني في الترموديناميك، لذلك لا تحصل.

ولذلك في المبردات فنحن نحتاج إلى محرك يقوم بعمل من أجل زيادة إنتروبي الوسط الخارجي كي يعوض النقص في الإنتروبي الناتج عن ضخ الحرارة من البارد (الثلاجة مثلاً) إلى الساخن وهو الوسط الخارجي، بحيث يكون التغير الكلي في الإنتروبي أكبر من الصفر.

وقد بحث كلاوزيوس عن الإنتروبي، معتمداً على أعمال كارنو، وتمكن من إيجاد العلاقة الرياضية التي تعطيها.

والآن، ماهي العمليات في الطبيعة التي تكون غير مصحوبة بتغير في الإنتروبي؟

إن مثل هذه العمليات تدعى بالعمليات العكوسة، وسنشرح لماذا فيما يلي.

افترض أن الجملة انتقلت بين الحالتين 1 و 2 . إذا أمكن للجملة أن تعود للحالة 1 انطلاقاً من الحالة 2 دون تغيير فيها أو في محيطها، عندها نقول أن العملية عكوسة. والآن، لنتصور أن الجملة قامت بالدورة العكوسة التالية: من 1 إلى 2 ثم إلى 1 مجدداً. إن تغير الإنتروبي الكلي في هذه الدورة يساوي مجموع تغيري الإنتروبي للجملة وللوسط المحيط. وبما أن كل من الجملة والوسط المحيط يعودان إلى نفس حالتيهما الابتدائيتين بعد انتهاء الدورة العكوسة، وبما أن الإنتروبي لاتتعلق سوى بالحالة كما ذكرنا، لذلك فإن تغير الإنتروبي الكلي بعد انتهاء الدورة العكوسة يساوي الصفر. أي أن الإنتروبي لا تتغير بسببها.

يحق لنا أن نسأل: هل توجد عمليات عكوسة في الطبيعة؟ يبين التحليل المتأني بأن العمليات العكوسة مستحيلة الوجود في الطبيعة.

لمعرفة السبب، دعونا نتخيل تحولاً عكوساً. لنتخيل مثلاً أنني أريد رفع حجر إلى ارتفاع معين، ثم أريد إعادته إلى سطح الأرض، وذلك بطريقة عكوسة. ولنتخيل أنني أقوم بذلك في جو مخلى. حتى تكون العملية عكوسة، علي أن أطبق على الحجر أثناء الصعود قوة مساوية تماماً لثقله. وبالطبع هذا يعني أنني سأحتاج لزمن لامنته لرفعه وأنه يصعد على شكل حالات متتالية من السكون. والأكثر من ذلك، علي أثناء إنزال الحجر، أن أبقى مطبقاً عليه قوة تساوي ثقله.

في التحولات الطبيعية التي تدعى التحولات التلقائية أو اللاعكوسة، فإنني دائماً أطبق على الحجر أثناء الصعود قوة أكبر من ثقله، وذلك حتى أتمكن من رفعه في زمن منته. وأثناء الهبوط إما أن أطبق قوة أقل من ثقل الحجر، أو أن لا أطبق قوة عليه على الإطلاق.

لاحظوا أنه أثناء التحول العكوس فإنه في أي نقطة من مسار الحجر، يمكننا تخيل أن الحجر يمكن أن يتحرك للأعلى أو للأسفل، ولا يوجد تفريق بين الاتجاهين إن صح التعبير، لأنه في الحالتين القوة المطبقة عليه تساوي ثقله، وعندما يعود إلى نقطة انطلاقه لا يكون قد تغير فيه أو في الوسط المحيط شيء.

بينما في التحول اللاعكوس، فلو أخذنا نقطة من مساره أثناء الصعود، وهو يتسارع للأعلى، ستكون عندها القوة المطبقة عليه أكبر من ثقله. وفي نفس النقطة أثناء الهبوط، تكون القوة المطبقة أصغر من الثقل. وهذا ينطبق حتى على نقطة انطلاق الحجر. فالحالتان الابتدائية والنهائية له ليستا متماثلتين، وبالتالي ستتغير الإنتروبي، وبالتالي وفق القانون الثاني لا بد من أن تتزايد.

وبما أن جميع التحولات الحقيقية، على ما نعرف، لابد وأن تكون لا عكوسة، فبالتالي جميع التحولات الحقيقية تترافق بزيادة في الإنتروبي.

إن النتيجة السابقة تؤدي لحقيقة مفادها أنه لا يمكن أن توجد آلات دائمة الحركة من النوع الثاني. والآلة دائمة الحركة من النوع الثاني، هي آلة (أي تعمل بدورة مغلقة) تقوم بتحويل كامل الطاقة التي تدخلها إلى عمل وهذا العمل يعاد ضخه إلى الآلة من جديد كطاقة تغذية. مثلاً دينامو موصول على مولد. الدينامو يشحن المولد، والمولد يغذي الدينامو الذي يقوم بدوره بإعادة شحن المولد.

إن حقيقة أنه في كل دورة للآلة، فإن الإنتروبي يجب أن تزداد، معناها أنه يجب أن تخسر الآلة جزءاً من طاقتها في كل دورة كي تؤمن هذه الزيادة في الإنتروبي. وعادة تكون الطاقة الضائعة على شكل حرارة، وتكون ناتجة عن الاحتكاك. وبالتالي في النهاية، فالآلة ستتوقف، ولن تكون دائمة الحركة.

والآن، لفهم طبيعة الإنتروبي بشكل أعمق، لا بد من التعريج قليلاً على الفيزياء الإحصائية.

لمحة عن الفيزياء الإحصائية:

لنتحدث قليلاً عن ما يدعى بالوزن الإحصائي للجملة. لتكن لدينا جملة ترموديناميكية ما، ككمية من الماء في وعاء مثلاً. يمكن أن نتحدث عن الجملة بطريقتين: إما أن نهتم بمظهرها الماكروي أي بالصفات التي يمكن أن نقيسها للجملة، والتي تحدد لنا حالتها، كالضغط والحجم ودرجة الحرارة، دون الاهتمام ببنيتها الداخلية، وهي طريقة الترموديناميك التقليدي، وإما أن نهتم بمظهرها الميكروي، أي بحركة جزيئات الماء في مثالنا و تفاعلاتها مع بعضها حتى أعطتنا هذا المظهر الماكروي الذي نقيسه، وهي طريقة الفيزياء الإحصائية.

من أجل كل مظهر ماكروي للجملة، مثلاُ في مثالنا كمية محددة من الماء ذات حجم وضغط ودرجة حرارة معينين، هناك عدد هائل من الطرق التي يمكن أن تتفاعل بها جسيمات الجملة لتعطيه.

ندعو عدد التشكيلات الميكروية التي يمكن أن تأخذها الجسيمات المكونة لجملة ما، من أجل إعطاء حالة ماكروية معينة، بالوزن الإحصائي لهذه الحالة.

ومن الواضح أنه بزيادة الوزن الإحصائي لحالة معينة، يزيد احتمال تواجد الجملة فيها.

ما بينه بولتزمان، هو أن الإنتروبي تتزايد بتزايد الوزن الإحصائي للحالة. لذلك فالقانون الثاني عندما يصرح بأن الإنتروبي ينبغي أن تزيد أثناء التحولات الطبيعية، فكل ما يقوله بأن الجمل تسعى لشغل الحالات ذات الاحتمال الأكبر في الحصول.

تأملوا مثلاً في مثال الصندوق الذي يحوي غازاً. ما احتمال أن توجد ذرة ما في النصف الأيسر منه؟ إنه يساوي ½ . طيب، ما احتمال وجود ذرتين معاً في النصف الأيسر من الصندوق؟ إنه يساوي ½ مضروباً في ½ أي ¼ وبالتالي قل الاحتمال. وهكذا، ومن أجل العدد الهائل من الجزيئات الغازية في الصندوق، فإن احتمال شغلها كلها أحد النصفين فقط شبه معدوم، وأكبر احتمال يكون بأن تشغل جزيئات الغاز كامل الصندوق. وهذا يفسر ما ذكرناه في الأعلى عند بدء حديثنا عن القانون الثاني.

إن الفيزياء الإحصائية تبين لنا نقطة هامة، ألا وهي أن القانون الثاني في الترموديناميك احتمالي، بمعنى أنه هناك احتمال ولو صغير، أن توجد عمليات في الطبيعة تترافق بتناقص الإنتروبي الكلي. ولكن احتمال حصول هذا النوع من العمليات هو صغير لدرجة أننا نحتاج زمناً أطول بكثير من عمر الكون كي تحدث إحداها.

أيضاً فارتباط الإنتروبي بالوزن الإحصائي للجملة بهذا الشكل، يجعل الحالات ذات الوزن الإحصائي الأكبر، أي ذات الاحتمال الأكبر في الحدوث، تمتلك إنتروبي أعلى.

ولكن الحالات ذات الاحتمال الأكبر، تكون ذات عشوائية أكبر، وذلك أننا عندما نتطلب في حالة ما أن تكون منظمة، فإننا نفرض شروطاً عليها للحصول على التنظيم، وبزيادة الشروط يقل الاحتمال، فالوزن الإحصائي للحالة المنظمة أقل من الوزن الإحصائي للحالة العشوائية. وبالتالي تقل الإنتروبي بزيادة التنظيم وتزيد بزيادة العشوائية. لذلك فالإنتروبي هي مقياس لفوضوية الحالة. ومن أجل توضيح أن الحالات المنظمة تملك احتمالاً أقل في الحصول من الحالات العشوائية، تأملوا المثال التالي:

لنفرض أن لدي ورق لعب (مكون من 52 ورقة). وأردت سحب أربع أوراق منه على التتالي ودون إعادة. ما احتمال الحصول على حالة منظمة هي أن تكون الأوراق الأربع المسحوبة تحمل الرقم 2؟ وما احتمال الحصول على حالة أكثر عشوائية هي أن لا أفرض على الأوراق المسحوبة أي شروط سوى أن لا يكونوا جميعهم يحملون الرقم 2؟ إن احتمال الحصول على الحالة المنظمة المذكورة هو 1/6497400 بينما احتمال الحصول على الحالة العشوائية المذكورة هو 6497399/6497400 أي أن احتمال الحالة العشوائية أكبر من المنظمة بـ 6497399 مرة!!!.

إن مضامين ذلك أن القانون الثاتي في الترموديناميك يخبرنا أن الطبيعة تسعى دائماً لزيادة عشوائيتها.

وهذا هو السبب في أن التخريب أسهل من البناء، لأن البناء تنظيم، بينما التخريب زيادة للعشوائية.

القانون الثالث في الترموديناميك:

ينطلق القانون الثالث في الترموديناميك من حقيقة مفادها، أنه في درجات الحرارة المنخفضة جداً والقريبة من الصفر المطلق (أي صفر كلفن أو -273 درجة مئوية)، فإن الجمل تسعى لتشغل أخفض حالة طاقية ممكنة لها، وبما أن الوزن الإحصائي لهذه الحالة من أجل جملة معينة ثابت، فستسعى قيمة الإنتروبي لهذه الجملة عندما تسعى درجة الحرارة إلى الصفر المطلق، إلى قيمة ثابتة. ومن أجل بلورة مثالية، ينص القانون الثالث أن هذه القيمة الثابتة للإنتروبي تساوي الصفر.

إن أهمية هذا القانون الحقيقية وقوته تظهر في تطبيقاته في الكيمياء، ولكننا لن نتطرق لهذه التطبيقات هنا، بل فقط يكفينا أن نفهم المبدأ الفيزيائي خلفه.

درجة الحرارة السالبة:

من تعريف درجة الحرارة المطلقة في الترموديناميك، يتبين بأنها لا يمكن أن تكون سالبة إلا عندما تتناقص الإنتروبي بزيادة الطاقة. وهذا ما يحصل في جملة تتميز حالتها بطاقة عظمى محدودة. وهذا لا يحصل عادة إلا بشكل جزئي ضمن المادة بإهمال آثار معينة، وأخذ آثار أخرى بعين الاعتبار.

ولكن، لو أخذنا جميع سمات الجملة بعين الاعتبار، فلن توجد أي جملة لها حد أعلى لطاقتها، لأن الطاقة الحركية لمجموعة جسيمات، تكون دائماً غير محدودة من الأعلى.