الحج المسيحي إلى فلسطين

من ويكي الجامعة, مركز التعليم الحر

حركة الحج المسيحي إلى فلسطين من القرن الرابع إلى القرن الحادي عشر الميلادي إن الرغبة في الحج راسخة الجذور في الطبيعة البشرية، فوقوف المرء في نفس الموقع الذي وقف فيه من يجلهم ذات مرة، ومشاهدة نفس الأماكن التي ولدوا وكافحوا وماتوا فيها، يبعث في المرء شعوراً بالاتصال الروحي بهم، وفي ذلك تعبير عملي عما يشعر به نحو هم من تبجيل، فجماعات الناس تُقبل في تلهف إلى تلك الأماكن التي يعتقدون أن الرب أكسب الأرض قداسة فيها.

لقد كانت الحركة الصليبية إفرازاً لأحوال أوروبا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في القرن الحادي عشر، هذه الأحوال كانت بدورها نتاجاً للتفاعلات التي جرت على أرض الواقع الأوربي طيلة العصور الوسطى الباكرة. وإذا كان بعض الباحثين يرى في الحركة الصليبية نتاجاً للتفاعل بين المؤسستين الرئيسيتين في أوروبا العصور الوسطى؛ الكنيسة والإقطاع، فإن هناك روافد جانبية خلقت الأفكار والقيم والمثل والظروف التي جعلت الحركة الصليبية أمراً واقعاً. ومن أهم روافد هذه الحركة الحج إلى الأراضي المقدسة في فلسطين؛ فقد تطور الحج المسيحي من ممارسة فردية بفعل الشوق والحنين إلى الأرض التي شهدت خطوات المسيح إلى ممارسة تكفيرية تباركها الكنيسة وتنظمها لأولئك الخطاة الراغبين في التوبة.

الواقع أن؛ المسيحية لا تحتوي ضمن أركانها المعروفة في صورة التثليث: التجسد، والصلب، والقيامة، على فكرة الحج. ومع ذلك فقد شعر المسيحيون منذ وقت مبكر بالرغبة القوية في أن يروا بأنفسهم تلك المواقع التي تنقل فيها الأنبياء والقديسين للتبشير بالدين الجديد. وقد قام الحج إلى بيت المقدس بدور كبير في حياة مسيحي الغرب منذ أزمان بعيدة ولم يقف بعد المسافة بين الأقطار وبين بيت المقدس حائلاً دون القيام به، بل كلما زادت الشقة (المسافة) بعداً أمام الحاج، وكلما زاد الطريق مشقة،زادت النفس اطمئنانا إلى غفران الخطايا ومحو الآثام. ولم يتوقف الحج عند فترة معينة من التاريخ بل استمر متواصلاً طيلة العصور المختلفة، واشتدت حركته عقب تشييد كنيسة القيامة.

القرن الأول والثاني للميلاد[عدل]

كان الحج نادراً في أيام المسيحية الأولى. وكان الفكر المسيحي يتجه إلى تأكيد ألوهية المسيح وعموميته أكثر مما يؤكد بشريته، وكانت السلطات الرومانية لا تشجع الارتحال إلى فلسطين. الملاحظ أنه خلال القرنيين الأولين للميلاد لم يكن أمر الترحال بهدف الحج إلى المدينة المقدسة أمراً ميسوراً، فالمدينة (القدس) لم تكن سوى أطلال بعد أن دمرها تيتوس عام 70م. وقد بقيت كذلك إلى أن أعاد الإمبراطور هادريان بناءها فأصبحت تسمى مدينة إيليا الرومانية. غير أن المسيحيين كانوا يتذكرون المكان الذي وقعت فيه أحداث حياة المسيح، وبلغ احترامهم لموقع كالفاري حداً جعل هادريان يعمد إلى إقامة معبد لفينوس كابيتولينا هناك.

القرن الثالث[عدل]

وقد عرف مسيحيو القرن الثالث الكهف الذي ولد فيه المسيح في بيت لحم معرفةً جيدة وراح المسيحيون يرتحلون إلى هناك وإلى جبل الزيتون. وكان الهدف من زيارة هذه البقع المقدسة هو الصلاة واكتساب الفضائل الروحية، إلا أن التطور البارز في فكرة الحج في المسيحية حدث في عهد قسطنطين – أول الأباطرة المسيحيين في أوائل القرن الرابع الميلادي- الذي أوقف الاضطهاد الذي لحق بالمسيحية، وعمل على إتباع سياسة متوازنة تجاه القوى الدينية المختلفة في الإمبراطورية الرومانية. ونجد أن أمه الإمبراطورة هيلينا انطلقت إلى فلسطين من أجل الكشف عن رفات السيد المسيح والحصول على كافة متعلقاته، ويذكر المؤرخ الصليبي ستيفن رانسيمان أنها"من انجح علماء الآثار العظام في العالم وأرفعهم شأناً" فقد قامت بالعثور على خشبة الصلب، ودعم أبنها الإمبراطور اكتشافها ببناء كنيسة القبر المقدس هناك، ومنذ ذلك الحين؛ صار الحج إلى تلك البقاع تقليداً قائماً لدى المسيحيين. وبدأ على الفور تيار من الحجاج يتدفق إلى المكان الذي بذلت فيه هيلينا جهودها. ولا نستطيع أن نعرف أعداد هؤلاء الحجاج لأنهم لم يدونوا في الغالب شيئاً عن رحلاتهم، غير أنه في سنة 333م جاء أحد المسافرين من ميناء بوردو الفرنسي إلى فلسطين ودون شيئاً عن رحلته. وبعد حوالي خمسين عاماً كتبت سيدة لا يتطرف الكلل لقلبها تُدعى اثيريا وأحيانا أخرى القديسة سيلفيا قديسة إقليم كتيان الفرنسي وصفاً لرحلة قامت بها اشتملت زيارة مصر وطور سيناء.

المراجع[عدل]

  • ستيفن رانسيمان، الحملات الصليبية من كليرمونت إلى أورشليم، ترجمة نور الدين خليل، الطبعة الأولى، القاهرة 1994.
  • ستيفن رانسيمان، تاريخ الحروب الصليبية، ترجمة السيد الباز العريني، القاهرة 1993.