ظن وأخواتها
ظن وأخواتها فغنها تدخل بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر فتنصبهما على أنهما مفعولان لها وهي نوعان:
- أحدهما: أفعال القلوب وهي: ظننت وحسبت و وخلت ورأيت وعلمت وزعمت ووجدت وحجوت وعددت وهبَّ ووجدت وألفيت ودريت وتعلم بمعنى أعلم نحو: ظننت زداً قائماً؛ وقول الشاعر:
حسبت التقى والجود خير تجارة رياحا وإذا ما المرء أصبح ثاقلا
وخلت عمراص شاخصاص؛ وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)} سورة المعارج؛ وقول الشاعر:
زعمتني شيخاً ولست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيباً
قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } (19) سورة الزخرف؛ وقول الشاعر:
وقد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقه حتى ألمت بنا يوم ملمات
وقول الآخر:
فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ولكنما المولى شريكك في العدم
وقوله:
فقلت أجرني أبا خالد وإلا فهبني امرأً هالكاَ
وقوله تعالى: { تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا } (20) سورة المزمل؛ {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ} (69) سورة الصافات؛ وقولك: دريت زيداً قائماً؛ وقول الشاعر:
تعلم شفاء النفس قهر عدوها فبالغ بلطف في التحيل والمكر
وإذا كنت ظن بمعنى اتهم، ورأى بمعنى أبصر، وعلم بمعنى عرف؛ لم تتعدد إلا إلى مفعول واحد نحو: ظننت زيداً؛ بمعنى اتهمته؛ ورأيت زيداً بمعنى أبصرته؛ وعلمت المسألةَ بمعنى عرفتها.
- والنوع الثاني أفعال التصيير نحو:جعل و رد و اتخذ و وصير و وهب؛ قال الله تعالى: { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} (23) سورة الفرقان؛ { لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً } (109) سورة البقرة؛ { وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (125) سورة النساء؛ ونحو: صيرت الطين خزفاً؛ وقالوا: وهبني الله فداك، واعلم أن لأفعال هذا الباب ثلاثة أحكام: الأول: الإعمال وهو الأصل وهو واقع في الجميع؛ الثاني: الإلغاء وهو إبطال العمل لفظاً ومحملاً لضعف العامل بتوسطه أو تأخره نحو: زيد ظننت قائم؛ وزيد قائم ظننت؛ وهو جائز لا واجب، وإلغاء المتأخر أقوى من إعماله والمتوسط بالعكس؛ ولا يجوز إلغاء العامل المتقدم نحو ظننت زيداً قائماً خلافاً للكوفيين؛ والثالث: التعليق وهو إبطال العمل لفظاً لا محملا بمجيء ما له صدر الكلام بعده وهو لام الابتداء نحو: ظننت لَزيد قائمٌ؛ وما النافية نحو: { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} (65) سورة الأنبياء؛ ولا النافية نحو: علمت لا زيد قائم ولا عمرو؛ وإن النافية نحو: علمت والله إنْ زيدٌ قائمٌ ؛ وهمزة الاستفهام نحو: علمت أزيد قائم أم عمرو؟ وكون أحد المفعولين اسم استفهام نحو: علمت أيهم أبوك؟ فالتعليق واجب إذا وجد شيء من هذه و لا يدخل التعليق ولا الإلغاء في شيء من أفعال التصيير ولا في فعل قلبي جامد وهو اثنان: هب وتعلم؛ فإنهما ملازمان صيغة المر وما عداهما من أفعال الباب يتصرف يأتي منه المضارع والأمر وغيرهما إلا هبَّ من أفعال التصيير فإنه ملازم لصيغة الماضي؛ ولتصارفهن ما لهن مما تقدم من الحكام؛ وتقدمت بعض أمثلة ذلك، ويجوز حذف المفعولين أو أحدهما لدليل نحو: { أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (62) سورة القصص؛ لأي: تزعمون شركائي؛ وإذا قيل لك من ظننت قائماً؟ فيقول: ظننت زيداً، أي: ظننت زيداً قائماً.
وعد صاحب الأجرومية من هذه الأفعال ؛ " سمعت " تبعاً للأخفش و من وافقه، ولابد أن يكون مفعولها الثاني جملة مما يسمع نحو: سمعت زيداً يقول كذا؛ وقوله تعالى: { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } (60) سورة الأنبياء؛ ومذهب الجمهور أنها فعل متعد إلى واجد؛ فغن كان معرفة فالجملة التي بعده حال؛ وإن كان نكرة كما في الآية فالجملة صفة والله أعلم.
المراجع
[عدل]- كتاب متممة الأجرومية لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب الرُّعيني.