يُعد الاتصال عصب الحياة البشرية منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام وذريته فقد بدأ الاتصال باللغة والإشارات الصوتية
وتطور إلى أن وصل إلى ما آل إليه من الاتصالات الفضائية. ومرت عمليات الاتصال بأشكال مختلفة ومتنوعة، ولسنا هنا بصدد الدخول في التطور التاريخي لعملية الاتصال بأشكال مختلفة ومتنوعة، ولكن يهمنا أن نعرف معنى كلمة الاتصال فقد عرفها "الجوهري" في مختار الصحاح بأنها كلمة مأخوذة من الوصل أي البلوغ، أي وصل إليه وصولاً، أي بلغة. ويطلق على كلمة الاتصال باللغة الإنجليزية Communication وهي مأخوذة من الأصل اللاتيني Commun's.
وقد أشار الكتاب والمفكرون والباحثون إلى تعريفات متعددة لعملية الاتصال نذكر منها ما قاله ا
لفيلسوف "جون ديوي" في كتابة الديمقراطية والتربية إذا عرف الاتصال على أنه "عملية مشاركة في الخبرة بين شخصين أو أكثر حتى تعم هذه الخبرة وتصبح مشاعاً بينهم"، ويترتب عليها حتماً إعادة تشكيل وتعديل المفاهيم والتصورات السابقة لكل طرف من الأطراف المشتركة في هذه العملية، ويؤكد "ديوي" على مفهومين في تعريفه لعملية الاتصال وهما الخبرة والمشاركة ونعني بالمشاركة الحرية والإيجابية.
ويُعرف الاتصال التعليمي بأنه العملية التي يتم فيها توصيل أو نقل معرفة أو فكرة أو مفهوم أو اتجاه أو خبرة أو مهارة أو رأي من شخص لآخر أو لمجموعة أشخاص أو بالعكس أو من مجتمع لآخر، بحيث تؤدي في النهاية إلى مشاركة في المعلومات والخبرات والأفكار والمهارات بين الأفراد، ومن ثم يحدث تغير مرغوب أو غير مرغوب في سلوك الفرد أو الجماعات، ويتم ذلك من خلال الاتصال المباشر أو غير المباشر أو الاستعانة بأجهزة الاتصالات المتنوعة كالمذياع والتلفاز وشبكات الحاسب الآلي "الإنترنت" وغير ذلك.
ثانياً: المنظور الإسلامي للاتصال
يجب أن ندرك جميعاً أن دين الإسلام هو في جوهره رسالة، والرسالة هي عنصر أساسي من عناصر الاتصال، والاتصال من وجهة نظر الإسلام يقوم على أسلوب فريد يجمع في خصائصه وعناصره بين ما هو معروف اليوم في علم الاتصال وبين خصائص أخرى ندرك بعضها، فيما يظل البعض الآخر بحاجة إلى المزيد من الدراسة والبحث لوضع قواعد ونظم تتمشى وهذا المفهوم، ولعل أهم ما يجب ملاحظته عند دراسة علم الاتصال من وجهة نظر الإسلام هو أنه ينظم المجتمع المسلم ويربطه بالروح ويربط المادة بالروح كما يربط العلم بالروح.
ثالثاً: سمات الاتصال من المنظور الإسلامي
لمعرفة سمات وخصائص الاتصال وواقعه في الإسلام سوف نميز بين ثلاث فترات أو مراحل زمنية محددة وذلك على النحو التالي:
الفترة الأولى:
وهي التي سبقت بعثة محمد، صلى الله عليه وسلم، وما تميز به المجتمع العربي آنذاك من فنون لها علاقة بالاتصال، فقد اشتهر العرب في هذه الفترة بالفصاحة في اللسان، والبلاغة في الخطابة، والبيان والإبداع في قول الشعر، وهي سمات اتصال أساسية.
الفترة الثانية:
وهي التي شهدت أحداث نزول القرآن الكريم على محمد، صلى الله عليه وسلم، فقد تميزت بلون آخر من ألوان الاتصال يمكن أن نطلق عليه الاتصال الروحي العضوي، ويبدو هذا الاتصال واضحاً وجلياً عندما نتابع وقائع أحداث نزول الوحي على محمد، صلى الله عليه وسلم بالغار، فقد ورد في كتب السيرة أن الروح الأمين عندما جاء إلى محمد - وهو في الغار- ضمه ثلاثاً وهو يقول له في كل مرة، اقرأ... إلى آخر ما حدث في تلك الفترة الانتقالية الحساسة. ماذا يعني أن يضم جبريل محمداً؟ هل كان ذلك مجرد حدث عرضي وهل وقع بمحض الصدفة؟ قطعاً لا. فمن المعلوم أن طبيعة الضم أو ما يسمى بـ Body Contact، هو في حقيقته مرتبط بحاسة اللمس. فإذا كان جبريل قد ظهر لمحمد وجهاً لوجه مباشرة وهو ما يعرف بأكثر عمليات الاتصال فعالية، فما أهمية الضم؟. لقد كان، صلى الله عليه وسلم، يعيش فترة تأمل واتصال بالعالم غير المحسوس من خلال تأملاته في مخلوقات الله. ولعل الضم قد أسهم في الانتقال من عالم مجرد وإلهامي إلى عالم الواقع والزمان والمكان. فكان من نتيجة هذه السلسلة من التفاعلات أن ترك، صلى الله عليه وسلم، الغار متوجهاً إلى منزله بما يحمله من رسالة. ومن جهة أخرى فإن ضم الأم والأب لصغيرهما يأتي في مقدمة التطبيقات العملية لأهمية عامل الضم. وقد أجاز الإسلام التحية والسلام في المجتمع المسلم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشو السلام بينكم"، والتحية ورد السلام تبلغ القمة بالمصافحة أو بالعناق أو بالقبلة التي يطبعها الوالد على جبين ابنه ونحو ذلك.
الفترة الثالثة:
وهي التي أعقبت تبليغ الرسالة حيث تطور مفهوم الاتصال على ضوئها فيمكن أن نطلق عليها الاتصال الروحي الجماهيري، فنجدها في آيات كثيرة من القرآن الكريم، من ذلك مثلاً قول تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)المائدة: الآية 67 ، وقوله تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ) الأعراف: الآية 62 . هاتان الآيتان تحملان جميع عناصر الاتصال.
وهكذا نخلص مما تقدم إلى أن الإسلام لم ينظر إلى الاتصال كأسلوب تفاهم ومحبة، أو وسيلة لنقل المعلومات وإبلاغ رسالة، أو قاعدة لبناء أمة واستمرار حضارة فحسب، لكنه بالإضافة إلى ذلك نظم هذا الفن وأقامه على قواعد روحية في نماذج وطيدة الأركان. فحياة الإنسان الذاتية، والحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى العبادات في الإسلام لا يمكن أن تستقيم في حالة غياب الاتصال. كذلك يتضح مما تقدم أنه كان حرياً بنا نحن المسلمين أن نأخذ بزمام تطوير علم الاتصال على مدى 1400 سنة، أي منذ أن بزغ نور الإسلام على الأرض لنضمن تسخيره وتطويره وفق مبادئنا، وأياً كان أسلوب الاتصال، سواء أكان الاتصال الروحي الإلهامي أم الاتصال الروحي العضوي أم الاتصال الروحي الجماهيري، فإن القاعدة تظل ثابتة وهي أن فن الاتصال ليس غريباً على الإسلام.
مهما تعددت أشكال عمليات الاتصال وإمكاناتها ومجالاتها، نجد أن عناصر تكاد تكون ثابتة، وهذه العناصر هي:
1- المرسل 2- المستقبل 3- الرسالة
4- قناة الاتصال 5- بيئة الاتصال
1- المرسل:
هو مصدر الرسالة الذي يصفها في إشارات أو حركات أو كلمات أو صور ينقلها للآخرين، وقد يكون المرسل:
أ) الإنسان: كالمعلم في حجرة الدراسة فهو النقطة التي تبدأ منها عملية الاتصال التعليمي.
ب) الآلة: كما في حالة الكتيب التعليمي والحاسب الآلي المزود بالمعلومات المخزونة والتي يحصل عليها المتعلم عن طريق الاتصال الآلي.
ولكن هناك فرق واضح بين النوعين السابقين: ففي حالة المعلم كمرسل يكون الاتصال بينه وبين المتعلم ممزوج بخبرة سابقة وخصائص إنسانية تؤثر على الرسالة والموقف التعليمي كاملاً وتتأثر به وبذلك يمكن تعديل الرسالة، ويتم تعديل السلوك ويحدث النمو. أما في الحالة الثانية وهي الآلة كمرسل للمعلومات المختزنة في ذاكرة الحاسب، تكون المعلومات ثابتة أي غير قابلة للتعديل وليست للآلة خبرة سابقة ولا تتميز بالخصائص الإنسانية، ولذا فهي غير قادرة على النمو الاستفادة من الخبرة السابقة.
2- المستقبل:
هو الشخص أو الجهة الذي توجه إليه الرسالة ويقوم بحل رموزها وتفسيرها محتواها وفهم معناها، وقد يكون شخصاً واحداً أو مجموعة من الأشخاص ومن هنا نستطيع أن نطلق على المستقبل الفئة المستهدفة من عملية الاتصال لتشمل الفرد والجماعة في آن واحد.
وينعكس تفسير المحتوى وفهم الرسالة في أنماط السلوك التي يقوم بها المستقبل. لذا فإن نجاح الرسالة في الوصول إلى المستقبل لا تقاس بما يقدمه المرسل بل بما يقوم به المستقبل من سلوك مستحب يستطيع المتعلم من خلاله مواجهة مواقف حياتية جديدة. ولا يجوز أن يغيب عن ذهننا أن إدراك مفهوم الرسالة يتوقف على الخبرات الجديدة للمستقبل وقدرته على رؤية العلاقات بين الجديد والقديم ثم حالته النفسية والاجتماعية. وبذلك لا تصبح مهمة المرسل التلقين والإلقاء، إنما مهمته تهيئة مجالات الخبرة للمستقبل وإعداد الظروف التي تسمح بالتعلم حتى يتم اكتساب الخبرة وتعديل أنماط السلوك.
3- الرسالة:
تعرف الرسالة بأنها:
• المحتوى المعرفي الذي يريد المرسل نقله إلى المستقبل.
• الهدف الذي تسعى عملية الاتصال لتحقيقه.
• مجموعة من الرموز المرتبة التي لا يتضح معناها إلا من نوع السلوك الذي يمارسه المستقبل.
• محتوى فكري يشمل عناصر المعلومة باختلاف أشكالها سواء أكانت مادة مطبوعة أو مسموعة أو مرئية.
4- قناة الاتصال:
تعتبر قناة الاتصال بين المرسل والمستقبل هي الوسيلة التي يتم بها نقل الرسالة بين المرسل والمستقبل، وهي كثيرة ومتنوعة، ابتداءً من اللغة اللفظية للمرسل والمطبوعات والخرائط والرسوم واللوحات والصور الثابتة والأفلام الثابتة والمتحركة، وانتهاءً بالحاسب الآلي والتعليم المبرمج.
وتنبع أهمية قناة الاتصال في كونها عنصراً أساسياً في عملية الاتصال، ومن كونها القوة الفاعلة في نجاح عملية الاتصال أو فشلها، فقد يستطيع معد البرنامج التلفزيون من إعداد رسالة علمية أو إرشادية على مستوى عال من الفعالية والتأثير ويفشل المخرج في إبراز محتوياتها، فتصبح الرسالة غير ذات جدوى.
5- بيئة الاتصال:
وهو الحيز أو البيئة التي تتم فيها عملية الاتصال، والمقصود هنا الاتصال التعليمي داخل الفصل الدراسي، فيشمل المجال هنا الحيز الذي يتم فيه الموقف من حيث المقاعد، ودرجة الحرارة التهوية، والإضاءة سواء داخلية أو خارجية، والرائحة، وشكل السبورة، وجدران الفصل، والمظهر العام للمعلم، والتلاميذ، وكذلك الإدارة المدرسية. ولكل من هذه العوامل دور أساسي في عملية الاتصال.
ويمكن القول بأن معظـم الأشكـال والنمـاذج لعمليـة الاتصال لا تعطي أهميـة كبيـرة للبيئة أو المجال الذي يتم فيه الاتصال بل تكاد أن تهملها تماماً، بالرغم من أهميـة المجال الذي يحدث فيه الاتصال بين المعلم والتلميذ.
خامساً: نماذج عملية الاتصال
ظهرت العديد من النماذج التي تحاول توضيح العناصر الرئيسية لعملية الاتصال، وسوف نعرض بعضها:
1- نموذج شانون وويفر: Shannon-Weaver
يعد من أكثر نماذج الاتصال شهرة حيث يعد أساساً لتعاريف ونماذج تالية حاولت شرح عناصر عملية الاتصال، ويضم هذا النموذج خمسة عناصر هي: المصدر – المرسل – إشارة مع ضوضاء - مستقبل - هدف.
2- نموذج برلو: Berlo
يحتوي هذا النموذج على أربعة عناصر هي: المرسل – الرسالة – المستقبل – الوسيلة.
3- نموذج شرام: Schramm
يحتوي هذا النموذج على أربعة عناصر هي: المرسل – الرسالة – المستقبل – الوسيلة.
يعد نموذج شرام الذي ظهر عـام 1954 م تطويـراً لما جاء به نموذج شانون وويفر، ويعد مجهوداً هادفاً وذلك لتحقيقه مفهوم الخبرة الذي اعتبره ضرورياً في عملية الاتصال بين المرســل والمستقبل لتحقيق الهدف، وأكد على أهمية التغذية الراجعة وأنه على المرسـل أن يتحقق من فهم رسالتـه في ضوء ملاحظات المستقبلين وآرائهم.
سادساً: خصائص أو سمات عملية الاتصال
تتميز عملية الاتصال بعدة خصائص أو سمات تتمثل فيما يلي:
1- عملية هادفة:
عملية الاتصال ليست نقلاً للرسالة فقط بل هي عبارة عن عملية تتضمن مجموعة من الخطوات والمراحل المرتبطة مع بعضها البعض بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف، وهي نقل الرسالة أو المعلومة أو الفكرة... الخ، بمعنى أنها تحقق مشاركة طرفي عملية الاتصال حتى تحدث المشاركة الهادفة، مثل تصميم الرسالة، وإرسالها، والإشراف على وصولها، واستقبال الرد.
2- عملية ديناميكية:
العملية الاتصالية نشاط مستمر لا يتوقف أو يتجمد عند نقطة، فهي متغيرة من حيث الزمان والمكان وهي عبارة عن تفاعل بين طرفين أحدهما يؤثر والآخر يتأثر (مرسل – مستقبل) فمثلاً نجد المرسل وهو يحمل هدفاً يرغب في توصيله للمستقبل، وعندما يصل الهدف من الرسالة للمستقبل، قد يستوضح المستقبل شيء ما من الرسالة فيقوم بطرح عدة تساؤلات بخصوص هذا الأمر على المرسل، هنا تتحول الأدوار وتتغير، ويصبح المرسل مستقبلاً والمستقبل مرسلاً، أي أن عملية الاتصال تفاعلية ديناميكية.
3- عملية دائرية غير خطية:
لا تسير عملية الاتصال في خط واحد من شخص لآخر فليس لها نقطة بداية محددة، بمعنى أنها ليس من الشرط أن تبدأ عند المرسل وتنتهي عند المستقبل، فعملية الاتصال تحدث على هيئة خطوات متتابعة مترابطة مع بعضها البعض والذي يربط بين هذه الخطوات التغذية المرتدة التي تنهي حلقة وتفتح حلقة أخرى.
4- عملية الاتصال منظمة:
أي أن عملية الاتصال يتم تخطيطها وتنظيمها وتنفيذها وإدارتها، فكل طرف من أطراف عملية الاتصال له دور محدد يقوم به.
5- عملية متنوعة:
بما أن عملية الاتصال علمية اجتماعية فهي لا تتوقف عند استخدام اللغة اللفظية فقط بل يتم استخدام أيضاً اللغة غير اللفظية كالإشارات والحركات والإيماءات.
أ) اللغة اللفظية:
شفهية: مهارتان هما الاستماع والتحدث.
تحريرية: أربع مهارات: الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة.
ب) اللغة غير اللفظية:
مثل الإشارات والحركات والأفعال، كالشخص الذي يرفع يده لكي يلقي السـلام على زميله والشخص الذي يحرك رأسه من اليمين إلى اليسار لكي يعبر عن رفضه شيئاً ما.
إن تنفيذ عملية الاتصال في مجال التعليم أو في أي مجال آخر يتطلب استخدام لغة اتصال بين المرسل والمستقبل، واللغة سواء كانت اللغة الأم أو لغة أجنبية تنقسم إلى نوعين هما:
1. اللغة اللفظية: Verbal Language
2. اللغة غير اللفظية: Non-Verbal Language
والإنسان عندما يحاول التواصل مع الآخرين في موقف اتصال فإنه يستخدم اللغتان ولا يمكن فصلهما، فعندما يذكر عبارة للتعبير عن فكرته أو رأيه في موضوع معين (لغة لفظية) نجده يحرك يديه يميناً أو يساراً أو ترتسم تعبيرات على وجهه، أو يستخدم إشارات معينة (لغة غير لفظية) ، ويتضح ذك جلياً في مواقف الاتصال التعليمي.
1. اللغة اللفظية: Verbal Language
هي مجموعة من الرموز المنطوقة أو المكتوبة – صوتية، نحوية، مفردات لغوية – والتي يتم استخدامها في جمل وعبارات تعبر عن المعنى. وتعتبر اللغة اللفظية هي وسيلة الاتصال الشفهية والتحريرية التي يستخدمها الإنسان أو المعلم للتعبير عما يجول في خاطره من خلال ما يستخدمه من كلمات وأصوات وقواعد نحوية حيث تربط هذه المكونات في محتوى مفيد يعبر عما يريد الفرد إيصاله للآخرين سواء كان بالصيغة الشفهية أم بالصيغة التحريرية.
2. اللغة غير اللفظية: Non-Verbal Language
استخدم الإنسان اللغة غير اللفظية عبر التاريخ قبل استخدامه للغة اللفظية لكي يتمكن من نقل بعض المعلومات وتبادل الخبرات. وتشمل اللغة غير اللفظية الإشارة والحركات والأفعال ولغة الأشياء، ويتضح ذلك في المثالين التاليين: الشخص الذي يرفع يده لكي يُلقي السلام على زميله، والشخص الذي يحرك رأسه من اليمين إلى اليسار لكي يعبر عن رفض شيئاً ما.
إن الأيدي والوجه يمكن أن يضيفا الكثير إلى اللغة اللفظية من خلال الإشارات والإيماءات الصادرة عنهما، فالمعلم عندما يقدم درساً في الفصل الدراسي ولا تظهر أي تعبيرات على وجهه، نجد التلاميذ قد يشردون منه ولا ينجذبوا إلى حديثه، والمعلم الذي تكثر حركته داخل الفصل، كأن يتنقل بسرعة بين الصفوف بصفة مستمرة ويتحدث مستخدماً إشارات الأيدي بداعي وبدون داعي (أي إشارات يدوية غير طبيعية) نجد انشغال التلاميذ بما يقوم به من حركات وإشارات.
ثامناً: العوامل المؤثرة في عملية الاتصال
تخضع عملية الاتصال لعوامل عدة تؤثر في مدى سلوكها السلوك الصحيح، وهذه العوامل إما أن تزيد من كفاءة عملية الاتصال أو تقلل من تلك الكفاءة، ومن هذه العوامل ما يلي:
1) التشويش: Noise
وهو من أهم العوامل المؤثرة في مدى وضوح الرسالة المنقولة من المصدر، ومدى استيعابها من قبل المستقبل. وقد يأخذ التشويش أشكالاً عديدة إلا أنه ينقسم إلى قسمين رئيسين هما:
أ) التشويش الداخلي.
ب) التشويش الخارجي.
وفيما يلي توضيح لكل نوع على حدة:
أ) التشويش الداخلي: وهذا يشمل العوامل الفسيولوجية والنفسية للشخص المتلقي للرسالة، فوجود عوائق فسيولوجية قد تحد من دقة الاستقبال للرسالة، وبالتالي فهمها من قبل المستقبل، ومن هذه العوائق ضعف النظر أو السمع، وانخفاض درجة الذكاء IQ والآلام والجوع والعطش وما إلى ذلك من العوامل العضوية. أما العوامل النفسية فهي كذلك تلعب دوراً مهماً في درجة فهم الرسالة المنقولة، فالشرود الذهني، والمشاكل الاجتماعية، والشعور بالملل، والخوف، والقلق، هي من بعض العوامل النفسية التي تحد من درجة بلوغ هدف الرسالة الرئيسي وتفهمه.
ب) التشويش الخارجي: ويشمل جميع العوامل الخارجية التي تقلق الشخص المتلقي للرسالة مثل: الأصوات المزعجة، ودرجة الحرارة والرطوبة، وضعف الإضاءة أو شدتها، والقاعة، والمقاعد، والبعد أو القرب من مصدر الرسالة، والوقت الذي ترسل فيه الرسالة، كل هذه العوامل تؤثر في مدى تفهم الشخص للرسالة وهدفها.
2) الدقة في نقل الرسالة: Fidelity
عند إعادة الرسالة يجب أن يراعي تحري الدقة في نقل المعلومات وتدوينها، وحتى إرسالها إلى المستقبل، فتسلسل الأفكار وتدعيمها بالأمثلة والبراهين، وربط المفهوم بالواقع في شرح الموضوعات، وتبسيط الحقائق العلمية، تُعد عوامل مهمة في تقريب المعلومات إلى ذهن متلقيها، وبالتالي نصل إلى الهدف المنشود من نقل الرسالة.
3) مهارات الاتصال: Communication Skills
إن مهارات الاتصال، إلى جانب أنها موهبة، فإنها كذلك مهارة مكتسبة، تلعب العوامل الثقافية والاجتماعية دوراً مهماً في درجة اكتساب الفرد لها، فأنت حين تستمع لحديث في التلفزيون فإن أسلوب وطريقة عرض المتحدث قد تجذبك وتكون عاملاً مهماً في نجاح إيصال المعلومات. في حين أن متحدثاً آخر يبعث في نفسك الملل، حين تستمع إليه رغم أهمية الموضوع الذي يتحدث به. وكم من متحدث اكتظ مجلسه بالمستمعين، وآخر أخذ مستمعوه بالتناقص قبل أن ينتهي من حديثه.
ومهارات الاتصال لا تكمن في الحركات واختلاف نبرات الصوت، والتشديد على النقاط المهمة، والاسترسال في غيرها فحسب، بل بربط الحديث بالواقع، والدخول في الحديث إلى المجتمع وربطه بواقع الحياة اليومية، واستخدام الجمل الإخبارية إلى جانب الجمل الاستفهامية، كل ذلك مهارات يتمتع بها بعض المدرسين، وحرم منها آخرون، وهي ما يجب أن يتحلى بها المدرس، فكلما نجح في إتقان هذه المهارة كانت درجة الاستجابة لدى الطلاب أكبر، وذلك لتوافر عنصر التشويق وجذب الانتباه.
تاسعاً: أشكال الاتصال وأنواعه
هناك أسلوبان لإجراء عملية الاتصال في التعليم هما الاتصال المتوازي والاتصال المتوالي، وفيما يلي توضيح لكل منهما:
1) الاتصال المتوازي:
تتم عملية الاتصال المتوازي عندما يقوم المعلم بشرح موضوع ما بعدة أساليب مستخدماً أكثر من قناة استقبال للمعلومة، ومثال ذلك عند شرح أنواع الصخور (الرسوبية، النارية، المتحولة) يلجأ المدرس في الغالب إلى الشرح النظري مركزاً بذلك على السمع فقط، ومن ثم يلجأ إلى السبورة لرسم أشكال الصخور، وقد يلجأ إلى إحضار عينات من الصخور النارية والرسوبية المتحولة، وإذا لم يتمكن من ذلك ربما عرض شريط فيديو ليشرح أنواع الصخور، وبذلك يراها المتعلم في الطبيعة من خلال الشريط والمعلم بهذه الوسيلة يستخدم في إيصال المعلومة المشاهدة إلى جانب السماع. لذا فالاتصال المتوازي هو شرح موضوع واحد بعدة أساليب، وهذا النوع من الاتصال يساعد المعلم على تقليص الفروق الفردية بين المتعلمين.
2) الاتصال المتوالي:
تتم عملية الاتصال المتوالي عندما يقوم المعلم بشرح عدة موضوعات ذات طابع تسلسلي بأسلوب واحد كأن يعتمد المعلم على السبورة والشرح النظري وفي شرح العمليات الحسابية الأساسية أو شرح دورة حياة أحد الكائنات الحية، وبذلك يخاطب المدرس قناة اتصال واحدة فقط ليرسل من خلالها عدة موضوعات.
عاشراً: معوقات عملية الاتصال
يحتاج الاتصال في المواقف التعليمية داخل الفصل الدراسي أو خارجه إلى تهيئة الجو المناسب لانتقال الرسالة من المعلم إلى المتعلم ورد فعل المتعلم حتى يؤدي إلى وضوح وسهولة الرسالة، ولذلك من الضروري مراجعة ووضع حلول مناسبة لبعض العوائق التي قد تؤدي إلى فشل إتمام عملية الاتصال بفاعلية، ومن أهم هذه العوائق ما يلي:
1) استخدام المعلم الطريقة التقليدية:
يعتمد عدد غير قليل من المعلمين على الطريقة اللفظية في عرض المادة العلمية (محتوى الرسالة) فيقوم المعلم بالإلقاء والتلقين اعتماداً على استخدام الرموز والألفاظ الجافة والمجردة مع عدم استخدام اللغة غير اللفظية لتسهيل فهم هذه المعاني من قِبل الطلاب، كل هذا يدفع الطلاب إلى الانصراف عن الموقف التعليمي والشعور بعدم الدافعية، والإحساس بعدم أهمية وقيمة ما يتم تعلمه.
2) عدم مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب:
قيام المعلم بالإلقاء اللفظي لمحتوى الرسالة وبطريقة واحدة، يجعل عدداً كبيراً من الطلاب لا يستطيعوا فهم ومتابعة هذه الرسالة، ومن جانب آخر قد تكون هذه الرسالة بعيدة عن خبرات الطلاب وكذلك ما يقدمه المعلم من أمثلة قد تبتعد عن واقع الطلاب، فيعتبر ذلك عائقاً عن إتمام عملية الاتصال.
3) شرود ذهن الطلاب:
نتيجة للفظية الزائدة من قِبل المعلم، وعدم استخدامه للوسائل التعليمية، والخبرات التعليمية المباشرة، يندفع الطلاب إلى شرود الذهن وعدم الانتباه أوالتركيز في الموقف التعليمي وفقد الثقة بالمعلم.
4) الظروف الفيزيقية للفصل الدراسي:
إن وجود أعداداً كبيرة من الطلاب في فصول صغيرة الحجم وعلى قاعد غير مريحة، وعدم الرؤية الواضحة للسبورة، وسوء التهوية وعدم تنظيم البيئة الصفية يترتب عليه عدم نجاح عملية الاتصال التعليمي.
5) عدم كفاية المعلم في أداء وظيفته:
إن عدم إلمام المعلم بتخصصه إلماماً جيداً يؤدي إلى صعوبة توصيل الرسالة إلى تلاميذه وفقد الثقة به.
6) عدم كفاية المعلم الأكاديمية في أداء وظيفته:
عدم قدرة المعلم على إدارة الصف والتحكم في تلاميذه وانخفاض صوته وعدم القدرة على الاستخدام الجيد للسبورة يؤدي إلى عدم نجاح عملية الاتصال.
7) وجود بعض الإعاقات لدى التلاميذ:
إن ضعف بعض الحواس لدى التلاميذ مثل طول أو قصر النظر أو ضعف السمع يؤدي إلى عدم نجاح عملية الاتصال بالشكل الذي يحقق أهدافها.